stack
  • Facebook
  • RSS
  • youtube
  • technorati
  • delicious

ادارة المعتقدات ... الشعب الامريكى و احتلال العراق .

ادارة المعتقدات :
::::::::::::::::::::
ترتبط ذكرى احتلال العراق في أذهان الكثيرين بمشهد تحطيم التمثال الضخم لصدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد في 9 نيسان 2003 ، المشهد الذي يلخص نتيجة الحرب لدى معظم الأمريكيين ، تسابقت في بثه محطات التلفزة العالمية والعربية ، وخدمات الكابل الإخبارية ونشرته الصحف ملوناً على صفحاتها الأولى .
 والذين شاهدوا الحدث رأوا عراقيين مبتهجين ، يتسلقون التمثال ويحاولون تحطيم قاعدته الإسمنتية بمطارقهم ، إلى أن تتقدم مدرعة أمريكية ويتولى جنودها تغطية رأس تمثال الرئيس بعلم أمريكي ( ثم استبداله سريعاً بعلم عراقي ) ثم تحطيم التمثال وجره بالمدرعة ودحرجته في الشارع .
قد بلغ سرور ( رونالد رامسفيلد ) وزير الدفاع الأمريكي حداً جعله يصرح بأن هذا المشهد يذكره بسقوط جدار برلين وقال ( إن صدام حسين يأخذ اليوم مكانه الصحيح إلى جانب كل الحكام المستبدين المهزومين أمثال هتلر وستالين ولينين وتشاوشيسكو ، أما الشعب العراقي فقد بدأ مسيراته نحو الحرية ) . ولم يحدد رامسفيلد أن دحرجة تمثال صدام حسين قد تمت على يد القوات الأمريكية في حضور جمهرة من العراقيين لم تتعدّ المئة شخص ، أي أقل من عدد الصحفيين الذين حضروا لتخليد تلك اللحظة ، وما من محطة تلفزيونية واحدة نقلت صوراً لكامل ساحة بغداد الرحبة الفارغة إلا من بعض الدبابات ، فالحادث الذي لم يحضره إلا قلة من العراقيين نُقل على شاشات التلفزيون باعتباره الحدث الأهم والدليل القاطع على ترحيب العراقيين وفرحهم بالإحتلال الأمريكي .
يأتي هذا المشهد في سياق المعركة الدعائية التي خاضتها أمريكا لإقناع الرأي العام عموماً و الأمريكي بالدرجة الأولى ، من خلال استعادة وتركيب ( يوم التحرير ) عبر عملية إعداد وصناعة الصورة والتركيز على الوجوه واختيار اللقطات بما يخدم ويصب في مصلحة السياسة العامة والخارجية الأمريكية .
فصور ساحة الفردوس أرادت مخاطبة ابن الشارع الامريكي ، وتوصيل رسالة له مفادها أن العراقيين يرحبون بالجنود الأمريكيين الذين يخاطرون بحياتهم لأجل قضية نبيلة هي تحقيق حرية العراق وديمقراطيته وإيجاد عالم أفضل وأكثر دفئاً .
وبالتالي فمشهد تحطيم تمثال صدام حسين لم يكن عفوياً ، وهو ما أثبته حديث ( جون دبليوراندون ) مستشار العلاقات العامة ومشرف مشروعات خاصة بالعراق لحساب البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، ففي كلمته أمام خريجي أكاديمية سلاح الجو الأمريكية قال راندون : ( لست من مخططي استراتيجية الأمن الوطني أو العسكري ، أنا ببساطة سياسي وشخص يستخدم وسائل الاتصال في تنفيذ سياسات رسمية أو تجارية ، وأنا في الحقيقة محارب معلومات ومدير معتقدات ... )
وذكّر ( راندون ) مستمعيه باستقبال الكويتيين لقوات التحالف في نهاية حرب الخليج 1991 م وهم يلوحون بأعلام أمريكية صغيرة ، وعلّق قائلاً : من أين حاءت هذه الأعلام وكيف وجد الكويتيون وقتاً لشرائها وهم تحت احتلال العراقيين ؟ وأجاب : هذه وظيفتي ، قلب الدعاية وصناعة الصور والقصص .
( راندون ) الذي وقع عقداً جديداً مع البنتاغون في شباط 2002 يرفض الخوض في تفاصيل مهمته ويكتفي وصف نفسه بأنه (( مدير معتقدات )) يستند مخططو البنتاغون إلى آرائه وهؤلاء يعرفون إدارة المعتقدات بأنها :
" عمليات نقل معلومات أو مؤشرات محددة لجمهور خارجي ، أو حجبها بهدف التأثير على العواطف وردود الأفعال وتكوين الأحكام السليمة " .
وقد اتخذت الإدارة الأمريكية إثر هجمات ( 11 ) أيلول سلسلة من الخطوات لتجسيد مبدأ إدارة المعتقدات على أرض الواقع ، لتوصيل رسالتها وتسويق صورتها بما يخدم مصلحة الولايات المتحدة وسياستها في الخارج ، ويكسبها رضا الشعب الأمريكي ومباركته لتوجهاتها داخلياً ، فصدر قانون بإنشاء نظام متعدد للإعلام المسموع و المرئي وعبر الإنترنت ، إضافة إلى تدريب الصحفيين من الدول الأجنبية ورصد القانون ( 135 ) مليون دولار لإنشاء وإعداد برامج تلفزيونية في الشرق الأوسط .
واعتمدت إدارة الرئيس الأميركي ( جورج بوش ) أحد أهم المستشارين في مجال الدبلوماسية العامة وهو ( جال ليزلي ) مدير عام شركة ( ويبر شاندويك وورلدوايد ) التي تعتبر من أكبر شركات العالم في مجال العلاقات العامة ، الذي اقترح عدم ترك أي نافذة يمكن من خلالها توصيل رسالة الولايات المتحدة واعتماد التخطيط الجيد والقيادة المركزية وتوظيف أقوى العقول لتحقيق هذه الغاية .
وعلى نفس الخط أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية تعيين ( شارلوت بيرز ) مسؤولة عن حملة الدعاية أو الدبلوماسية العامة ، و ( بيرز ) شخصية معروفة في مجال شركات العلاقات العامة وتعرف بكونها ملكة ( ماديسون أفينيو ) وقد اقترحت مشاريع لشراء ساعات بث إعلامي في التلفزيونات العربية ، وأحد أساليب هذه الدعاية ترويج صور نجوم أمريكيين مسلمين لكسب تعاطف العالم الإسلامي ، كما أنشأت مجلس الدعاية الذي يجمع عدداً من مؤسسات العلاقات العامة والشركات الإعلامية العملاقة للتأثير في الرأي العام الأمريكي ، وهكذا توازت المساعي المبذولة لتبرير أسباب الحرب على العراق ، وتسويق صورة أمريكا داخلياً وخارجياً ، وقد نشرت صحيفة ( التايمز ) البريطانية تقريراً بينت فيه أن أمريكا تخطط لإنفاق ( 200 ) مليون دولار على حملة إعلامية واسعة ضد صدام حسين وتستهدف كذلك الرأي العام العربي المتشكل بالنوايا الأمريكية .
كما نشرت مجلة متخصصة بالعلاقات العامة تقريراً قالت فيه :
" أن وزير الدفاع رامسفيلد اعتمد على جماعات اتصال استراتيجية في حزام جماعات الضغط لتمرير رسالة أمريكا ضد النظام العراقي ولإقناع الرأي العام الأمريكي بخطر العراق " .
ومن أهم شركات العلاقات العامة التي ساهمت في عملية إدارة المعتقدات ( بينادور وشركاؤها ) وهي مجموعة العلاقات العامة التي تديرها الباحثة اللاتينية ( إلينا بينادور ) وقامت المجموعة بحجز أوقات للمتعاملين معها ولعملائها وزبائنها في المحطات التلفزيونية الأمريكية الكبيرة وفي موقع الإنترنيت التابع للشركة وذكرت ( بينادور ) اسماءً عديدة لعبت دوراً كبيراً في حشد الرأي العام ودعم غزو العراق ، وتضم هذه الأسماء ( ماكس بوت ) محرر في صحيفة وول ستريت جورنال و ( ارنود ري بورشغريف ) محرر في صحيفة واشنطن تايمز و ( الكسندر هيج ) وزير الخارجية السابق ، و ( تشارلز كروثامار ) كاتب أعمدة في ( واشنطن بوست ) و ( جوديث ميللر ) مراسلة صحيفة نيويورك تايمز ، وريتشارد بيرل . حيث أعطيت أهمية كبيرة جداً لهؤلاء المحللين رغم أن الكليات والجامعات الأمريكية فيها أكثر من ( 1400 ) باحث وخبير في شؤون الشرق الأوسط ، وقد أضيف لهؤلاء المحللين تعبيرات وألقاب كبيرة مثل باحث كبير أو باحث دائم و ما إلى ذلك من الأسماء الفاقعة .

المفارقة التي ظهرت في الحرب الأمريكية على العراق ، أن إدارة المعتقدات نجحت إلى حد كبير في كسب تأييد الشعب الأميركي ودعمه لمواقف حكومته في العراق ، بنفس قدر فشلها في تسويق صورة أمريكا وعرضها كماركة تجارية لشعوب الدول التي تكرهها ، فالتجارب أثبتت أن تسويق فكرة الحرية وربطها بأمريكا يتناقض مع ميل الولايات المتحدة للحديث بدلاً من الإنصات للآخرين ، ودعم أمريكا المعروف للدول التي لا تحترم الحرية وحقوق الإنسان .
----------------
الشامى السنجرى

0 comments:

إضغط هنا لإضافة تعليق

إرسال تعليق

Blogger Widgets